فصل: تفسير الآية رقم (172):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}.
وقد اختلف النَّاس في هذه الآية اختلافًا كثيرًا، ولا سبيل إلى معرفة الإعراب إلاَّ بعد معرفتة المعنى المذكور في الآية الكريمة، وقد اختلفوا في ذلك:
فمنهم من قال: معناها: أنَّ المثل مضروبٌ بتشبيه الكافر بالنَّاعق، ومنهم من قال: هو مضروبٌ بتَشْبيه الكافر بالمَنْعوق به، ومنهم مَنْ قال: هو مضْروبٌ بتشبيه داعي الكفر بالنَّاعق، ومنهم مَنْ قال: هو مضروب بتشبيه الدَّاعي والكافر بالنَّاعق، والمنعوق به، فهذه أربعة أقوالٍ.
فعلى القول الأول: يكون التقدير: وَمَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا في قِلَّة فَهْمِهِمْ، كَمَثَلِ الرُّعَاة يُكَلِّمُون البُهْمَ والبُهْمُ لا تَعْقِلُ شيئًا.
وقيل: يكون التقدير: وَمَثَلُ الَّذين كَفَروا في دُعائهم آلِهَتَهُمْ التي لا تَفْقَهُ دُعَاءَهُم، كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِغَنَمِهِ؛ لا ينتفع من نَعِيقِهِ بشَيءٍ غير أنَّه في عناءٍ؛ وكذلك الكافرُ ليس له من دعائه آلهته إلاَّ العناء؛ كما قال تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ} [فاطر: 14].
قال الزَّمَخْشَرِيُّ لمَّا ذكر هذا القول: إلاَّ أنَّ قوله: {إلاَّ دُعاءً وَنِدَاءً}، لا يساعد عليه؛ لأنَّ الأصنام لا تَسْمَعُ شيئًا.
قال أبُو حَيَّان رحمه الله: ولحظ الزمخشريُّ في هذا القول تمام التشبيه من كُلِّ جهة، فكما أنَّ المنعوق به لا يَسْمَعُ إلاَّ دعاءً ونداءً، فكذلك مدعُوُّ الكافِرِ مِنَ الصَّنم، والصَّنَم لا يَسْمَعُ، فضَعُف عنده هذا القوْلُ.
قال: ونحْنُ نقولُ: التشْبيهُ وقَعَ في مُطْلَق الدُّعاء في خُصوصيَّات المدعُوِّ، فتَشْبِيهُ الكَافِر في دعائِهِ الصَّنَمَ بِالنَّاعِقِ بالبهيمة، لا في خصوصيَّات المنعُوق به، وقال ابنُ زَيْدٍ في هذا القَوْلِ- أعني: قولَ مَنْ قال: التقديرُ: ومَثَلُ الذين كَفَرُوا في دُعَائِهِمْ آلهتَهُم: إنَّ الناعق هنا ليس المراد به الناعق بالبهائم، وإنَّما المراد به الصائح في جوف الجبل، فيجيبه الصَّدى، فالمعنى: بما لا يسمع منه الناعقُ إلاَّ دعاء نفسه، ونداءها، فعلى هذا القول: يكون فاعل {يَسْمَعُ} ضميرًا عائدًا على {الَّذِي يَنْعِقُ} ويكون العائد على ما الرابط للصِّلة بالموصُول محذوفًا؛ لفَهْم المعنى، تقديره: بِمَا لاَ يَسْمَعُ مِنْهُ وليس فيه شرط جوازِ الحَذْف؛ فإنه جُرَّ بحرف غير ما جُرَّ به لموصول، وأيضًا: فقد اختلف متعلَّقاهما إلاَّ أنه قد ورد ذلك في كلامهم، وأمَّا على القولين الأوَّلين، فيكون فاعل {يَسْمَعُ} ضميرًا يعود على ما الموصولة، وهو المنعوقُ به.
وقيل: المراد ب {الَّذِين كَفَرُوا} المتبُوعُون، لا التابعون، المعنى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في دعائِهِمْ اتباعَهُمْ، وكوْنِ أتباعِهِمْ لا يَحْصُل لهم منهم إلاَّ الخَيْبَة، كمثل النَّاعق بالغَنَم، فعلى هذه الأقوال كلِّها: يكون {مَثَل} مبتدأً و{كَمَثَلِ} خبره، وليس في الكلام حذفٌ إلاَّ جهة التَّشبيه.
وعلى القول الثاني من الأقوال الأربعة المتقدِّمة: فقيل: معناه: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في دُعَائِهِمْ إلى الله تعالى، وعَدَمِ سماعِهِمْ إِيَّاه، كَمَثَلِ بَهَائم الَّذِي يَنْعِقُ فهو على حذفِ قَيْدٍ في الأوَّل، وحَذْف مضافٍ في الثاني.
وقيل: التقدير: ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في عَدَم فَهْمهم عَنِ اللَّهِ ورسُولِهِ، كَمَثَلِ المنْعُوق بِهِ منَ البَهَائم الَّتي لا تَفْقَهُ من الأَمْر والنَّهْي غَيْر الصَّوْت فيرادُ بالذي يَنْعِقُ: الذي يُنْعَقُ بِهِ، ويكون هذا من القَلْبِ، وقال قائلٌ: هذا كما تقولون: دَخَلَ الخَاتَمُ في يَدِي، والخُفُّ في رِجْلِي وتقولون: فُلاَنٌ يَخَافُكَ؛ كَخَوْفِ الأَسَدِ، أي: كَخَوْفِهِ الأَسَدَ، وقال تعالى: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة} [القصص: 76] وإنَّما العصبة تنوء بالمفاتح.
وإلى هذا ذهب الفرَّاء، وأبو عُبَيْدَة، وجماعةٌ إلاَّ أنَّ القلب لا يقع على الصَّحيح إلاَّ في ضرورة أو ندورٍ.
وأمَّا على القول الثَّالث، وهو قولُ الأخفش، والزَّجَّاج، وابْنِ قُتَيْبَة، فتقديره: ومَثَلُ داعي الَّذين كَمَثَلِ النَّاعق بغَنَمه؛ في كَوْن الكافِرِ لا يَفْهَمُ ممَّا يُخَاطِبُ به داعيَهُ إلاَّ دَوِيَّ الصَّوْت، دون إلقاءِ فكرٍ وذهنٍ؛ كما أنَّ البيهمةَ كذلك، فالكلامُ على حذف مضافٍ من الأوَّل.
قوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: 171] لمَّا شبَّههم بالبهائم، زاد في تبكيتهم، فقال: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}؛ لأنَّهم صارُوا بمنزلة الأصَمِّ؛ في أنَّ الذي سَمِعُوه، كأنَّهم لم يسمعوه، وبمنزلة البُكْم؛ في ألاَّ يستجيبوا لما دعوا إليه، ومن حيث العمي؛ من حيث إعراضهم عن الدَّلائل؛ فصاروا كأنَّهم لم يشاهدوها، قال النُّحاة: {صُمٌّ}، أي: هم صمٌّ، وهو رَفْع على الذَّمِّ.
وقوله: {فَهُمْ لاَ يَعْقِلُون} فالمراد: العقْلُ المكتَسَبُ هو الاستعانة بهذه القُوَى الثَّلاثة، فلمَّا أعرضوا عنها، فقد فقدوا العقل الكسبيَّ، ولهذا قيل: من فقد حسًّا، فَقَدْ فَقَدَ علمًا، والله تعالى أعلم. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (172):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الآية شبيهة بما تقدم من قوله: {كُلُواْ مِمَّا في الأرض حلالا طَيّبًا} [البقرة: 168] ثم نقول: إن الله سبحانه وتعالى تكلم من أول السورة إلى هاهنا في دلائل التوحيد والنبوة واستقصى في الرد على اليهود والنصارى، ومن هنا شرع في بيان الأحكام. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما أخبر سبحانه وتعالى أن الدعاء لا يزيدهم إلا نفورًا رقي الخطاب من الناس إلى أعلى منهم رتبة فقال آمرًا لهم أمر إباحة أيضًا وهو إيجاب في تناول ما يقيم البينة ويحفظها: {يا أيها الذين آمنوا كلوا}. وقال الحرالي: لما كان تقدم الخطاب في أمر الدين في رتبتين أولاهما {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] وثانيتهما {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} [البقرة: 104] فأمر الناس فيه بالعبادة وأمر الذين آمنوا بحسن الرعاية مع النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك هنا أمر الناس بالأكل مما في الأرض ونهى عن اتباع خطوات الشيطان، وأشعر الخطاب بأنهم ممن يتوجه الشيطان نحوهم للأمر بالسوء والفحشاء والقول بالهوى، وأمر الذين آمنوا بالأكل {من طيبات} فأعرض في خطابهم عن ذكر الأرض لتناولهم الرزق من السماء، فإن أدنى الإيمان عبادة من في السماء واسترزاق من في السماء كما قال للسوداء: «أين الله؟» قالت: في السماء.
قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» قال سبحانه وتعالى: {وفي السماء رزقكم} [الذاريات: 22]، فأطعم الأرضيين وهم الناس مما في الأرض وأطعم السماويين وهم الذين آمنوا من رزق السماء كذلك، وخص هذا الخطاب بلفظ الحلال لما كان آخذًا رزقه من السماء متناولًا طيبة لبراءته من حال مما في الأرض مما شأنه ضر في ظاهر أو أذى في باطن، ولذلك ولو كانت الدنيا دمًا عبيطًا لكان قوت المؤمن منها حلالًا، فالمسترزق من السماء يصير المحرم له حلالًا لأخذه منه عند الضرورة تقوتًا لا تشهّيًا، ويصير الحلال له طيبًا لاقتناعه منه بالكفاف دون التشهي {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات} [المائدة: 4] وفي مورد هذين الخطابين بيان أن كلمة {للناس} واقعة على سن من أسنان القلوب وكلمة {الذين آمنوا} واقعة على سن فوقه وليس يقع على عموم يشمل جميع الأسنان القلبية، فتوهم ذلك من أقفال القلوب التي تمنع تدبر القرآن، لأن خطاب القرآن يتوجه لكل أولي سن على حسب سن قلوبهم، لا يصلح خطاب كل سن إلا له يتقاصر عنه من دونه ولا يحتاج إليه من فوقه، وهي أسنان متعددة: سن الإنسان ثم سن الناس، ثم سن الذين آمنوا، ثم سن الذين يؤمنون، ثم سن المؤمنين، ثم سن المؤمنين حقًا، ثم سن المحسنين؛ هذه أسنان سبعة خطاباتها مترتبة بعضها فوق بعض، ومن وراء ذلك أسنان فوقها من سن الموقنين وما وراء ذلك إلى أحوال أثناء هذه الأسنان من حال الذين أسلموا والمسلمين ومن يوصف بالعقل والذكر والفكر والسماع وغير ذلك من الأوصاف التي تلازم تلك الأسنان في رتب متراقية لا يشمل أدناها أعلاها ولا ينهض أدناها لرتبة خطاب أعلاها إلى ما وراء ذلك من خصوص خطاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بما لا يليق إلا به وبمن هو منه من إله، وفي انتظام تفصيل هذه الرتب جامعة لما يقع من معناه في سائر القرآن. انتهى.
ولما كانت هذه الرتبة كما تقدم.
أرفع من رتبة الناس خص في خطابهم بعد بيان أن ما لم يحل خبيث فقال: {من طيبات} ولم يأت بذلك العموم الذي تألف به {الناس}.
ولما كانوا في أول طبقات الإيمان نبههم على الشكر بقوله في مظهر العظمة: {ما رزقناكم} وأخلصناه لكم من الشبه، ولا تعرضوا لما فيه دنس كما أحله المشركون من المحرمات، ولا تحرموا ما أحلوا منها من السائبة وما معها ثم صرح به في قوله آمرًا أمر إيجاب: {واشكروا لله} أي وخصوا شكركم بالمنعم الذي لا نعمة إلا منه، وهذا بخلاف ما يأتي في سورة المؤمنين خطابًا لأعلى طبقات الخلّص وهم الرسل.
ولما كان الشكر لا يصح إلا بالتوحيد علقه باختصاصهم إياه بالعبادة فقال: {إن كنتم إياه} أي وحده {تعبدون} فإن اختصاصه بذلك سبب للشكر، فإذا انتفى الاختصاص الذي هو السبب انتفى الشكر، وأيضًا إذا انتفى المسبب الذي هو الشكر انتفى الاختصاص لأن السبب واحد، فهما متساويان يرتفع كل واحد منهما بارتفاع الآخر.
وقال الحرالي: ولما كان هذا الخطاب منتظمًا لتناول الطيب والشكر وحقيقته البذل من الطيب فشكر كل نعمة إظهارها على حدها من مال أو جاه أو علم أو طعام أو شراب أو غيره وإنفاق فضلها والاقتناع منها بالأدنى والتجارة بفضلها لمبتغى الأجر وإبلاغها إلى أهلها لمؤدي الأمانة لأن أيدي العباد خزائن الملك الجواد «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض».
فلما كان ذلك لا يتم إلا بمعرفة الله سبحانه وتعالى المخلف على من أنفق كما قال: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} نبهوا على عهدهم الذي لقنوه في سورة الفاتحة في قوله: {إياك نعبد وإياك نستعين} فقيل لهم: كلوا واشكروا إن كنتم إياه تعبدون؛ فمن عرف الله بالكرم هان عليه أن يتكرم ومن عرف الله بالإنعام والإحسان هان عليه أن يحسن وهو شكره لله، من أيقن بالخلف جاد بالعطية. انتهى.

.قال البيضاوي:

لما وسع الأمر على الناس كافة وأباح لهم ما في الأرض سوى ما حرم عليهم، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها فقال: {واشكروا للَّهِ}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

في هذه الآية بيان فضل هذه الأمة، لأنه تعالى خاطبهم بما خاطب به أنبياءه عليهم الصلاة والسلام لأنه قال لأنبيائه: {يَا أَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صالحا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال لهذه الأمة {كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} وقال في أول الآية: {يَا أَيُّهَا الناس كُلُواْ مِمَّا في الارض حلالا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 168]. فلما أمر الله تعالى بأكل هذه الأشياء التي كانوا يحرمونها على أنفسهم. قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لم يكن هذه الأشياء محرمة فالمحرمات ما هي؟. اهـ.

.قال الخازن:

والطيب هو الحلال عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب ولا يقبل إلاّ الطيب وإن الله أمر المؤمنين بما أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك» قوله: أشعث أغبر هو البعيد العهد بالدهن والغسل والنظافة. وقيل الطيب المستلذ من الطعام فلعل قومًا تنزهوا عن أكل المستلذ من المطاعم فأباح الله تعالى لهم ذلك {واشكروا لله} يعني على نعمه {إن كنتم إياه تعبدون} أي اشكروا الله الذي رزقكم هذه النعم إن كنتم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه إلهكم لا غيره وقيل إن كنتم عارفين بالله وبنعمه فاشكروه عليها. اهـ.

.قال ابن كثير:

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بالأكل من طَيبات ما رزقهم تعالى، وأن يشكروه على ذلك، إن كانوا عبيده، والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولَ الدعاء والعبادة، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد:
حدثنا أبو النضر، حدثنا الفُضَيل بن مرزوق، عن عدَيِّ بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيلُ السفر أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» ورواه مسلم في صحيحه، والترمذي من حديث فضيل بن مرزوق. اهـ.

.قال الفخر:

احتج الأصحاب على أن الرزق قد يكون حرامًا بقوله تعالى: {مِن طَيّبَاتِ مَا رزقناكم} فإن الطيب هو الحلال فلو كان كل رزق حلالًا لكان قوله: {مِن طَيّبَاتِ مَا رزقناكم} معناه من محللات ما أحللنا لكم، فيكون تكرارًا وهو خلاف الأصل، أجابوا عنه بأن الطيب في أصل اللغة عبارة عن المستلذ المستطاب، ولعل أقوامًا ظنوا أن التوسع في المطاعم والاستكثار من طيباتها ممنوع منه.
فأباح الله تعالى ذلك بقوله: كلوا من لذائذ ما أحللناه لكم فكان تخصيصه بالذكر لهذا المعنى. اهـ.